Wednesday, December 31, 2014

مذكرات زوجة قسيس شابة : العيد

مع غروب الشمس في مصر وسوريا ينتهي يومنا وتبقى أمامنا  ساعات نختم بها عاما انصرم بكل ما حمله لنا وصار في عداد الماضي ونستقبل عاما ذو صفحات بيضاء تخفي في جعبتها الكثير من "المكتوب" بالحبر السري ... الكثير لا يزال غير مرئي لنا... ولكن إلى حين
في هذه الساعات تغزوني مشاعر وأفكار لا أجد لها رفاهية المساحة التي تستحقها فآثرت الرجوع إلى هذا المقال

إنه المقال الثالث من سلسلة "مذكرات زوجة قسيس شابة" تم نشره في مجلة "أعمدة الزوايا" التابعة لسينودس النيل الإنجيلي في عدد ديسمبر 2014 أتمنى من خلاله للجميع عاماً جديداً بكل ما تحمله الكلمة من مفاجآت

قصاصات وقصص ومجازفة وأمل. ها هي بين أيديكم أعزائي القراء أشارككم بها، قصاصات من دفتر مذكراتي فيها قصص من رحلة أشبه بمغامرات الخيال فقد قبلتُ المجازفة بأن تخرج تلك الكلمات لترى النور وكلي أمل بأن تتحول ما بيننا السطور إلى جسور طمعاً بحفنة صداقات وفيض بركات والمزيد من المحبة أبداً.


مذكرات زوجة قسيس شابة
/العيد/

" السنة دي دور أهلك ولا أهلي نعيد عندهم؟" تلك الجملة المتكررة في كثير من الزيجات لا تجد لها مكاناً في بيت القسيس إذ أن الغالبية العظمى من القسوس يخدمون في قرى أو مدن أو بلاد غير تلك التي نشأوا وترعرعوا فيها هم وزوجاتهم, وبالتالي تعاني أسرهم من الانسلاخ عن العائلة والأصدقاء والمكان المألوف، وفي العيد تتفاقم هذه الحالة من الشوق والحنين خاصة بالنسبة لزوجة قسيس مثلي نشأَت في كنف عائلة كبيرة كان العيد فيها أقرب إلى المهرجان بطقوسه وذكرياته التي كنا نكررها بالحرف الواحد وكأنها "شريعة مادي وفارس".

بعد زواجي صرت أتمنى لو يحصل أولادي على ذكريات مشابهة لذكرياتي وبدأت أشعر بالحسرة لاستحالة الأمر. لكنني سرعان ما حولت تلك الحسرة إلى "مشروع نهضة" وقررت أن أخترع نشاطات خاصة بأسرتي الصغيرة نكررها فتتحول إلى تقاليد سنوية ومن ثم إلى ذكريات سعيدة.

أول تقليد سنوي بدأت به هو الصورة العائلية كل عيد ميلاد، نرتدي خلالها ثياب العيد قديمة كانت أم جديدة لا يهم، المهم أننا في خضم الزحمة والضجيج الذين انتشرا حول العالم واقترنا بميلاد طفل المذود نتلقّف لحظة سعادة فنحولها إلى صورة هادئة صامتة تحكي بعلو الصوت عن سلام الميلاد وفرحه الذي نعيشه في أسرتنا.
ثاني تقليد هو مسرحية الميلاد التي انتظرت إلى أن يكبر أولادي قليلا ويزداد وعيهم وفهمهم لقصة الميلاد ليتمكنوا العام الماضي من تمثيلها أمام جمهور لا يتجاوز عدده أصابع اليد الواحدة. مسرحية "مهضومة" بطلها يوسف بأعوامه الأربعة والنصف ومريم التي تصغره بعامين يرتديان أزياء حاكتها لهم تيتا ليديا التي لم تنس أن تجهز زياً للطفل يسوع أيضا.

ثالث تقليد هو شجرة الميلاد، فبعد سنوات من الاكتفاء بشجرة "ميكروسكوبية" كانت رفيقتي في سنوات غربة الدراسة الجامعية قررنا العام الماضي شراء شجرة أكبر وجدت فيها إحياءً لتقليد أسري حافظ عليه أبي وأمي لسنوات طوال إلى أن غيّبَتها عنا طبول الحرب في سوريا. كنا كل عام نذهب إلى المشتل لاختيار شجرة طبيعية ننقلها إلى البيت فيفوح منها عطر الصنوبر ويملأ أرجاء المنزل برائحة ميلادية لاتزال تدغدغ أنفي. كانت تلك الشجرة بعد تزيينها شاهدا لاحتفالاتنا وللأمسيات التي تجمعنا حول البيانو بينما أخي يعزف ونحن نرنم ترانيم الميلاد التي حفظناها عن ظهر قلب فيرن الصوت في أعالي بيتنا بأناشيد السرور عن رحمة الله الغفور. مع انتهاء العيد كل عام كنا نزرع أشجارنا تلك في الـ "ضيعة" ونسعد اذ نراها تكبر كلما زرنا قرية أجدادنا. لم أتبع الوصفة بحذافيرها في الاسكندرية فشجرتنا بلاستيكية نزينها مع منتصف شهر ديسمبر، والسبب في الموعد المبكر هو التقليد الرابع.

جاء هذا التقليد من حقيقة أن الانجيليين في سينودس سوريا ولبنان يعيدون وباقي مسيحيي البلدين وفقا للتقويم الغربي يوم 25 كانون الأول / ديسمبر وفي سينودس النيل يأتي الميلاد يوم 7 كانون الثاني / يناير. أما في منزل القس مايكل أنور فهناك عيدان للميلاد يفصل بينهما أسبوعان ويوم رأس السنة والعديد من ترانيم كتاب نظم المزامير وترانيم فريق الحياة الأفضل وأغاني الميلاد لحواديت الخضروات باللغة الإنجليزية نرددها بصحبة فيليب ويانا يوميا مع النشاطات الكنسية التي نحرص كأسرة على المشاركة في الإعداد لها والاستمتاع بها فنصل إلى نهاية الموسم المجيد وقد انتهى العيد بتقاليده وطقوسه ولكن ذكرياته لم ولن تنتهي، نجترّ السعيد منها لنقتات عليه طيلة شتاء اسكندراني بارد وماطر متمنين للجميع عيد ميلاد مجيد مصلين أن تقطر سنة 2015 دسماً وخيراً وسلاماً ومسرة، سنة تكللها البدايات الجديدة فنحيك لعائلاتنا أحلى الذكريات في العيد.







جميع  الحقوق محفوظة لمدونة رهاميات