Wednesday, October 29, 2014

سوري أنا سوري

شفت النهاردة موقف مؤلم في ماكدونالدز الشاطبي الساعة 2 الظهر واللي عارف المكان قادر يتخيل كمية الزحمة في الوقت ده من اليوم في الفرع ده تحديدا

كان في أم سورية معاها عيلين مستنياهم يلعبوا في غرفة الكور اللي جوا وكان في كورة واحدة كبيرة وكذا عيل تانيين وهي قاعدة على كرسي عشان مفيش ترابيزات فاضية. 

جات أم مصرية ومعاها عيلين كبار ولد وبنت دخلوا "الملعب" والولد ضخم وبيرفس يمين وشمال عشان هو قرر ان الكورة الكبيرة تبقى فوتبول مش باسكت بول وراح شايط الولد السوري القصير والرفيع على رجله مرتين والأم سكتت. الأم المصرية كل شوية تمد إيدها بقطمة من فتحات الباب البلاستيك وتأكل الولد وهو مكمل لعب وبيشوط في الولد السوري تالت مرة... رابع مرة بقا الولد السوري صاح من قهره وهو ماسك رجله اللي واجعاه: "يووووووه مش كل مرة"، وطلع لمامته بيقولها: "شاطني جامد يا ماما" وبدأ يعيط

الأم السورية "س" قالت للولد المصري: خود بالك يا حبيبي كام مرة هاتشوط الولد دي رابع مرة وانت مش فارقة معاك
هنا صحيت الأم المصرية "م" وتدخلت بتخاطب "س": ما تكلميني أنا بتزعقيله ليه؟
س: أنا مش بازعق أنا باقله خود بالك
م: إلعب يا حبيبي ولا يهمك
س: مش فارقة معاكي انه شاط ابني على عظمة رجله أربع مرات
م: وفيها ايه يعني عيل وبيلعب
س: يلعب بس في ناس تانية بتلعب معاه ياخد باله مش يشوط يمين وشمال كذا مرة ويؤذي غيره
م: ما هو عيل باقولك عيل مش عارف بيعمل إيه
س: يعني ولا حتى هاتقوليله ياخد باله؟
م: لأ طبعا، إلعب يا حبيبي زي ما انت عايز
س: يعني أنا أقول لإبني روح شوطه واضربه يا حبيبي ولا يهمك ولا حتى تعتذرله؟
م: انت لو مش عاجبك سيبي البلد
س: مش فاهمة
م: مش فاهمة عشان مش مصرية ما ترجعي سوريا أريحلك

الجزء اللي صعب وصفه هو تعبيرات وجه المصرية حواجب بتترفع وعينين بتغمز وكتاف بتتهز بطريقة المسلسلات البلدي البيئة مع ان يونيفورم مدارس ولادها المفروض بيدل على مستوى كويس ومظهرهم العام أكثر من جيد لكنه قطع قماش اسمها هدوم وشوية كراكيب اسمها شنط وأحذية يعني شوية قشور بتغطي تحتها مستوى تاني خالص

س (لإبنها): امشي نمشي من هون
الولد لحق أمه اللي قامت عن الكرسي وهي شادة أخته وماشيين والبنت عمالة بتزعق، الأم خدت بالها ان البنت مش لابسة الكوتشي فرجعت تجيبه سمعت "م" لسا بتبرطم كلام قليل أدب مع الحركات المناسبة طبعا

"س" فار دمها أكتر واتعصبت زيادة كمان وبدأت تترعش وانحنت ع الأرض خدت الكوتشي وبصت لـ"م" بوشها اللي بيغلي وعينيها اللي كلها شرر وزعقت بصوت عالي: " ربنا يصطفل فيكي"

واتجهت ناحية الباب شادة البنت الحافية والولد لاحقهم والاتنين بيعيطوا وهي بتشق طريقها بين الناس وبتقول بصوت عالي: "أخلاق زفت وناس زبالة" عند الباب قعّدت البنت على كرسي راجل الأمن العجوز اللي كان تارك مكانه بيتمشى ما بين الباب والسلم اللي بيودي للرصيف. لبست الكوتشي للبنت وطلعت السلم وكل الناس بتتفرج ع الفشل الذريع وقلة الحيلة للأم "س" اللي خرسانة مش لاقية كلام تقوله أو حاجة تعملها غير تسيب المكان بس بتتحرك بعصبية مفرطة ووصلت لآخر السلم والتفتت لتحت للجماهير الغفيرة وقالت بصوت عالي: "على فكرة أنا معي الجنسية المصرية من 5 سنين بس باتكلم عن الناس الغلابة اللي بيتهانوا كل يوم من عالم زبالة وبلا أخلاق... ربنا يصطفل فيهم"

الأم السورية ما عرفتش تنزل لمستوى الإنحطاط والحقارة للأم المصرية بضخامتها الجسمانية ووقفتها وعيالها وكان الفشل واضح وشهد عليه الكل ان أكبر شتيمة عرفت "س" تقولها: "أخلاق زفت وناس زبالة" وهي جسمها كله بيترعش.

في العربية تحول عياط العيال إلى صمت مطبق وحالة ذهول تام بس في الوقت ده كانت الأم هي اللي بتعيط. أنا مصرية وباتهان كل يوم في كل حتة باروحها، طب لو دي ما كانتش بلدي وكنت بس سورية كنت هافضل أتهان لغاية إمتى؟ كلمة سورية بقت تهمة ولازم أبررها ان جوزي مصري، بس برضه لسا ناقص دليل ان عيالي أكبر من الثورة سنهم 5 سنين و 3 سنين وهو ما اتجوزنيش جهاد وشفقة ولازم احشر نكتة في النص تلطف الجو عشان أنا غالبا باكلم ناس شيك ومحترمين وأولاد عائلات مش بيهينوني بقصدهم وأنا باعذرهم في كل اللي بيقولوه وباعدي التعليقات كلها وباتعلم خلي جلدي سميك وأتعامل بالشوكة والسكين لأنهم مش هايفهموا أيا كان اللي هاشاركهم بيه سواء الأخبار السطحية أو مشاعري الشخصية اللي ياما اترفضت واتداس عليها بكلام كله حسن نية وصفاء دوافع لكنه بعيد وجاي من ناس ولا عمرها استضافت لاجئين ولا عمرها حست بغيرها فاتعلمت أبني حيطان وأريح الناس وأقولهم اللي هم حابين يسمعون وعادة بيكونوا حابين يسمعوا "ولا حاجة" فبالتالي ده اللي باقوله "ولا حاجة" وبتكون حياتي تدور حولهم هم وتتمحور حول همومهم هم وبلدهم هم ومشاكلهم هم وباغرق أنا أكتر وأكتر في وحدتي وغربني

وانا سايقة افتكرت الـ 5 سنين اللي عشتهم في بيروت والأهانات والدموع أيامها لأن السوريين مكروهين في لبنان (لأسباب مختلفة وحقبة تاريخية مختلفة، فحاليا مش قادرة أتخيل حجم التضاعف للكره ده) بس ساعتها اتعلمت مع الوقت ازاي أحمي نفسي واكتسبت مهارات فادتني مؤخرا لكني ما توقتش انها بعد 14 سنة هاتخذلني في لحظات كنت راكنة فيها أسلحتي على جنب وواخدة عيالي خروجة في بلد مفيهاش حديقة عامة وألعاب مجانية في طقس رائع بمدينة ع البحر لكني باخاف من الشارع عشان لو حد عاكسني أو شتمني مش هاسكتله وسبق وشافوا أولادي مواقف مكنتش عايزاهم يشوفوها ان مامتهم تزعق في الشارع لحد وتهدده: "هالم عليك الناس يا قليل الأدب" ودي مش في أوقات فسحة دي في يوم عادي راجعين فيه بيتنا بنلاقي ركنة بمعجزة في آخر الدنيا وبنمشي نكتشف ان النور مقطوع فنطلع على رجلينا 11 دور. المره دي القصد فسحة فبيجي معاها رفاهية مكان مغلق وآمن حتى لو كان متجمد من التكييف واللعب في غرفة مضلمة ومعفنة بس اسمها "ملعب" وباحمل عيالي جمايل اني واخداهم "يلعبوا" والمكان قريب من بيتنا وببلاش (مع اننا كل مرة بنشتري من المكان ده) لكني ما كنتش في الشارع فكنت واخدة استراحة  المحارب بس الشارع موجود في كل حتة وجاهز يغدر بي فـ أي مرة بانزل دروعي عشان أرتاح

دي أول مرة أكتب في مدونتي بالعامية المصرية أيا كانت جودتها وعيوبها ومعرفش ليه حسيت اني عايزة أكتب بالمصري مع اني وأنا سايقة بعيط كان نفسي أشتم البلد واشتهيت أهاجر ألم عيالي وعزالي وأعيش بمكان أرتاح فيه أعيش في بلد ماكنش فيه حاسة طول الوقت اني "سورية وأعتذر" سوري أنا سوري
Sorry ana Souri
كنت باعيط نيابة عن كل أم سورية بتتهان وعن كل سوري حاسس انه مكروه ومنبوذ ومرفوض من اللي حواليه ان هويته بقت حاجة لازم يعتذر عنها لازم يخبيها لازم يخفيها لازم يغيرها لازم ينتقدها قدام الناس حتى يرضيهم لازم يشتم في بلده عشان ينفش أهل البلد اللي بتتغدق عليه وبتستضيفه . بقا كل سوري فينا بيدفع تمن أكبر منه بكتير بيدفع تمن أكبر من أي ذنب هو عمله طالما أي حد تاني بيدي لنفسه الحق انه يتعامل مع السوريين بحقارة.

الصدفة اني لسا النهاردة الصبح كنت باقرأ الرسالة اللي سابتها ريحانة جباري لمامتها قبل تنفيذ الحكم وكنت مقهورة من بلد زي إيران اللي بعد 7 سنين سجن وبهدلة لبنت عندها 19 سنة كل اللي عملته انها دافعت عن نفسها ضد مغتصبها فقتلته في واقعة كانت purely self defense وبدل ما تموت يوم محاولة الاغتصاب ماتت عندها 26 سنة ماتت وحيدة محدش عرف يجيبلها أي تخفيف للحكم أو اعتراف بحقها انها تدافع عن نفسها. قريت تقارير بالعربي والانجليزي عن ريحانة وحسيت اني عايزة أكتب عنها عايزة أقول حاجة عن الظلم عايزة أطلع أفكار كتيرة جوايا بس سكت وغضيت النظر تماما عن اني أكتب أي حاجة عن المأساة دي،وأتاريني بعد كام ساعة هايجي علي الدور اني أدافع حتى لو كان الموقف سخيف وكنت بادافع عن ابني قدام ولد كبير وضخم بيرفسه على رجليه وبادافع عن نفسي قدام أم حقيرة بكل كلامها وإيماءاتها وسلوكها وبادافع عن شعبي قدام جمهور متفرجين شفقان على ام سورية غلبانة مش عارفة تشتم ولا تضرب ولا تاخد حقها وكل اللي قالته: "أنا مصرية" فاكره ان الكلمة دي هاتردلها كرامتها المسلوبة أتاريها كلمة ساذجة ورد هزيل قدام قلة أدب الأم المصرية ... بادافع حتى لو كان الموقف تافه بالإطار اللي حصل فيه بس في حقيقتة هو موقف بيتجاوز الزمان والمكان وبيتحد مع دموع وآهات ملايين السوريين بكل أشكال الذل والقهر اللي عايشينه جوا أو برا البلد قهر وظلم وقلة حيلة ما بتتطفيش بمشاعر الشفقة والإحسان من الآخرين، قهر وظلم وقلة حيلة يقدر يفهمه بس اللي بيحاول يشرب الكاس دي أو يدوق نقطة من مرارتها، باقول يحاول وبس يحاول، مش انها تكون خبزه اليومي لأن المثل بيقول "اللي يعد الضربات مش زي اللي ياخدها" والمصريين بيعدوا بس بدأوا العد مؤخرا، حتى خبرتهم في الشفقة والتعاطف خبرة حديثة العهد. السوريين اللي احتضنوا فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين بقم خبرة في "عد الضربات" حتى جه اليوم اللي خدوها على دماغهم ونزلت الضربات أقسى من الضربات العشر أيام النبي موسى

السوريين بيتضربوا والعالم بيضرب كف على كف وبيشتري تذاكر درجة أولى يتفرج ع المجازر بعدسات HD  وفيديوهات youtube  ويتأسف على اللي بيتجمدوا من البرد وبيعرب عن قلقه وأسفه وبيزيد الدعم وبيرفع الدعم وبيبيع سلاح وشعارات... وفي الآخر بيفضل الفرد... أنا... انت... وحيد وغرقان في الوحدة لكنه بيبوس إيده وش وظهر عشان غيره غرقان في الدم

يمكن بداية القصة مضللة اني "شفت" الموقف ده والحقيقة الدقيقة اني "اتعرضت" للموقف ده لكني في لحظة ما حسيت وكإني طلعت براه وعمالة أتفرج عليه من فوق، دي مهارة اكتسبتها في بيروت ومعرفش لو ليها علاقة بالبحر عشان في حاجات غريبة بتحصلي ساعات مش مرتبطة بمسقط رأسي دمشق لكنها بيروتي على اسكندراني ومعرفش لو دي منهم لكني في بيروت كنت لما أبقى راكبة الباص راجعة من الشغل أو ماشية من الجامعة لمكان سكني كنت باطلع برا نفسي وباتفرج على حياتي من فوق كأني باحضر فيلم سينما أنا فيه البطلة وبالاقي نفسي مهما كان يومي صعب ومهما كانت همومي تقيلة وباجرها وانا ماشية بحس اني باحب حياتي وباحب بطلة الفيلم ده وباحتضن وباقبل اللي بيجرالها. النهاردة مكنش احتضان وقبول قد ما كان صدمة اتعاملت معاها اني خرجت براها في ساعتها ما استنيتش اني أروح بيتنا ولما أهدأ أبقى أراجع اللي حصل. يمكن يكون ده نوع من أنواع الـ defense mechanisms   حيلة دفاعية رهامية بدأت بنشاط واعي وتمرين إرادي وبعد سنين تحولت إلى رد فعل تلقائي لسا مش عارفة أفهمه تماما وأحط نقاطه على حروفه

هاختم بالصورة دي اللي رسمها ابني لما روحنا لأني طبعا مكنتش بحالة تسمحلي أقول غير الكلام الإضطراري فقعد هو واخته يرسموا وجه يشرحلي هو رسم ايه والكلام ده كلامه ومن غير ترجمة للمصري عشان هو معظم كلامه مصري وساعات بتفلت منه حاجات سوري في النص:




"بصي يا ماما، ده قلب مكسور للعنكبوت، ده العنكبوت البيبي وده العنكبوت البابا وفي ناس أشرار ضربوا عليه سهم ومسدس وصواريخ وقنبلة والنحلة جات وبابا جابلهم أكل تاني بيحبوه "فرو" هم بيحبو ياكلوه هو حيوان أنا سميته "فرو" والعنكبوت بيمشي ياخده ويحطه في الشبكة وبياكلوه وياكلوا النحلة... وده جبل ودي كلهاالحرامية من بعيد بيضربوا الحاجات وبيسرقوا شوية حاجات من الناس... ودي شمس ... بترتفع وتكبر بس بيجي صاروخ بتصغر تاني وبتصير من غير خطوط وبعدين بتكبر تاني بس بيجي صاروخ تاني فهي مش بتقدر تعمل نور للناس"

رهام جرجور
الاسكندرية 29 أكتوبر 2014
حقوق النشر محفوظة لمدونة رهاميات