Thursday, October 10, 2013

وشم


من يعرفني حق المعرفة، مع أنني لست أعرفني مؤخراً، يدرك موقفي من القرارات التي لا رجعة فيها، فأنا إنسانة ملولة بطبعي أحب التغيير الدائم في محيطي الذي أعيش فيه حتى وإن كنت لست من هواة تغيير شكلي أو لون شعري أو شنطة اليد التي أحملها قبل أن تتلف وتغيرني هي، إلا أنني أفكر ملياً قبل اتخاذ قرار بـ"جواب نهائي" خشية أن أملّه سريعاً فأندم أو أن يتسلل السأم تدريجياً إلى عظامي بعد مدة وإن كانت طويلة فأشعر بأنني حبيسة ذلك القرار القديم البالي والخالي من احتمالات المسح أو التعديل على خلاف الخيارات الكمبيوترية من "ديليت" أو "أندو" أو "باك سبيس" أو "إيريس" ... الخ

أعيش أيامي في حالة خلق مستمر لكسر غمامة الملل، كلما استشعرتها أغير في ديكور منزلي، أجرب وصفة جديدة في مطبخي، أخترع لعبة مختلفة لأولادي.
لايمكنني أن أدعي أن إدماني للتغيير لم يؤثر في شخصي ولم يغيرني أنا حتى وإن لم يطل إطلالتي الخارجية بشكل ملحوظ لكنه حتماً قد طال هويتي وطباعي ومنظوري للحياة.

هذا الصباح، وبينما كنت أشاهد أغنية مميزة في إبداعها الأدبي والموسيقي والإخراجي معتصَرة من واقع الألم السوري، ارتأى المخرج أن ينهي الخاتمة بخارطة سوريا، وإذ بي أفاجئني في غفلة مني برغبتي في وشم، وليس أي وشم بل وشم خريطة سوريا!!

كان اندهاشي برغبتي المفاجأة تلك في الحصول على وشم يفوقه اندهاشي بخياري لشكل الوشم نفسه...
تغير الحروب خارطة البلدان وطبيعة الشوارع ومعدن الناس ولكنني لم أكن أعي أن الحرب في سوريا قد غيرتني على هذه الشاكلة وإلى هذا الحد، أن أتوق لوطني مستخدمة مفردات غريبة عني، لو طُلب مني أن أحمل بلدي معي لكنت اخترت طوق الياسمين أو إسم "شام" لابنتي أو الموزاييك الدمشقي في منزلي لما في تلك الدلالات من رقة وعذوبة وجمال بخلاف علامة على الجلد أشبه بالندبة منها إلى الفن أو الجمال وشكلها سياسي أكثر من كونه إنسانياً حميمياً. ألعلني قد يئست من أن يفتقد السلام وطني إلى درجة أنني اخترت ندبة كي أندبه؟ أم أن خارطته شُوِّهَت فتوهمتُ أني سأخلّدها بجعلها جزءا من خارطة جلدي؟

تحضرني وجوه عجائز سوريات من قرى عدة بنقوش "مدقوقة" على ذقونهن، تطل كالضباب الملون تارة والقديم كصور الأبيض والأسود تارة أخرى، تطمئنني ابتساماتهن فأرى وجه جدتي لأبي بين خليط نساء تلك القرى المترامية من ساحل سوريا إلى صحرائها، فأسأل جدتي "حفيظة" بلهجتي الشامية محاولة تقليد أهل القلمون: "ستي أم عوض، شايفي إشو صار فيني (أترين ما حل بنا)؟" فتتلاشى صورتها هاربة وينهرني ضميري: "لا تزعجي الموتى فهم لا علم لهم بالجهنم التي أمستها سوريانا" وأسأل نفسي: هل سننسى نحن بدورنا ونرتاح من وجع الحرب عندما ترقد أجسادنا، سواء كانت مزدانة بالوشم أو مغطاة بجلد سوري "سادة" أو مغطسة بالفستق الحلبي والسمسمية الحمصية؟

جميع الحقوق محفوظة لمدونة رهاميات

No comments:

Post a Comment